فصل: الإمام الصالح الناسك المجود السيد علي بن محمد العوضي البدري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 الإمام الصالح الناسك المجود السيد علي بن محمد العوضي البدري

الرفاعي المعروف بالقراء وهو والد صاحبنا العلامة السيد حسن البدري ولد بمصر وحفظ القرآن وجوده على شيـخ القـراء شهـاب الدين أحمد بن عمر الاسقاطي وبه تخرج وأقرأ القرآن بالسبعة كثيرًا بالجامع الأزهر وبرواق الأروام وانتفع به الطلبة طبقة بعد طبقـة‏.‏

وكـان لـه معرفـة ببعـض الأسـرار والروحانيات وغير ذلك‏.‏

ومـات الاختيـار المفضـل المبجـل علـي بن عبد الله الرومي الأصل مولى درويش أغا المعروف الآن بمحرم أفندي باش اختيار وجاق الجاويشية كان لكونه خدم عنده وهو صغير اشتغل بالخط وجوده على المرحوم حسن الضيائي وعبد الله الانبس وأدرك الطبقة منهم ومهر فيه وأنجب ولم يكونا أجازاه فعمل له مجلسًا في منزل المرحوم علي أغا وكيل دار السعادة واجتمع فيه أرباب الفن من الخطاطين وأجازه حسن أفندي الرشدي مولى علي أغا المشار إليه وكان يومًا مشهودًا‏.‏

ولقب بدرويش وكتب بخطه كثيرًا وحج سنة 1171 واجتمع بالحرمين على الأفاضل وتلقى منهم أشياء وعاد إلى مصر واجتمع بأديب عصره محمد بن عمر الخوانكي أحد تلامذة الشهاب الخفاجي فتعلق بعنايته بالأدب وصار في محفوظيته جملة من أشعاره وقصائده وجملة من قصائد الأرجاني وجملة من المقامات الحريرية وعني بحفظ القرآن فحفظه على كبره وتعب فيـه وحفـظ أسمـاء أهـل بـدر وكـان دائمـًا يتلوهـا‏.‏

ولأجله ألف شيخنًا السيد محمد مرتضى شرح الصـدر فـي شـرح أسمـاء أهـل البـدر فـي عشريـن كراسـًا والتفتيـش فـي معنـى لفظ درويش كراسًا‏.‏

ولازم المذكور منذ قدم مصر وسمع عليه مجالس من الصحيح والمسلسل بالأسودين وبالعيد والشمائـل والأمالـي وجـود عليـه شيخنـا المذكـور فـي الخط وقد صاهرت المترجم وتزوجت بربيبته في أواخر سنة خمس وتسعين برغبة منه وهي أم الولد خليل فتح الله عليه ولما حصلت النسابـة والمصاهـرة حولته بعياله إلى منزلي لتعب الوقت وتعطيل أسباب المعايش‏.‏

ولما عاشرته بلـوت منـه خيـرًا ودينـًا وصلاحـًا وكان لا ينام من الليل إلا قليلًا ويتبتل إلى مولاه تبتيلًا فيصلي ما تيسر من النوافل ثم يكمل بتلاوة القرآن المرتلـة مـع التدبـر لمعانـي الآيـات المنزلـة وكـان حسـن السمـت نظيـف الثيـاب عظيـم الشيبـة منـور الوجـه وجيه الطلعة مهيب الشكل سليم الطويلة مقبول الروحانية ملازمًا على حضور الجماعة حريصًا على إدراك الفضائل‏.‏

توفي جمادى الأولى عن نيف وتسعين سنة ولم تهن قواه ولم يسقط له سن ويكسر اللوز بأسنانه ودفناه بجوار الإمام أبي جعفر الطحاوي لأنه كان ناظرًا عليه رحمه الله‏.‏

ومات الأستاذ الفاضل والمستعد الكامل ذو النفحات والإشارات السيد علي بن عبد الله بن أحمد العلوي الحنفي سبط آل عمر صاحبنا ومرشدنا ووالده أصله من توقاد وولد هو في مصر سنة 1173 وعاني الفنون ومهر وأنجب في كل شيء عاناه في أقل زمن بحيث أنه إذا توجهت همته لعلم من العلوم الصعبة وطالع فيه أدركه وأظهر مخبئاته وثمراته وألف فيه وأظهر عجائب أسراره ومعانيه في زمن قليل وكان حاد الذهن جدًا دراكًا قوي الحافظة يحفظ كل شيء سمعه أو مر عليه ببصره ولازم في مبتدأ أمره شيخنا السيد محمد مرتضى كثيرًا وقرأ عليه الفصيح لثعلب وفقه اللغة للثعالبي وأدب الكاتب لابن قتيبة في مجالس دراية وسمع منه كثيـرًا مـن شرحـه علـى القامـوس وكتـب عنـه بيده أجزاء كثيرة وقرأ عليه الصحيح في اثني عشر مجلسًا في رمضان سنة ثمان وثمانين وسمع عليه أيضًا الصحيح مرة ثانية مشاركًا مع الجماعة مناوبة في القراءة في أربع مجالس ومدة القراءة من طلوع الشمس إلى بعد كل عصر وصحيح مسلـم فـي ستـة مجالـس مناوبـة بمنـزل الشيـخ بخـان الصاغـة‏.‏

وكتـب الأمالـي والطبـاق وضبط الأسماء وقلد خط الصلاح الصفدي في وضعه فأدركه وقرأ عليه أيضًا المقامات الحريرية ورسائل في التصريـف وغيـر ذلـك مما لا يدخل تحت الضبط لكثرته‏.‏

وسمع المسلسل بالعيد وبالأسودين التمر والماء‏.‏

وسمع عليه أوائل الكتب الستة والمعاجم والمسانيد في سنة تسعين بمنهل شيخه مع الجماعة وجزء نبيط بن شريط الأشجعي وبلدانيات السلفي وبلدانيات بن عساكر وأحاديث عاشـوراء تخريـج المنـذري وأحاديـث يـوم عرفة تخريج بن فهد وعوالي بن مالك وثلاثيات البخاري والدارمي وجزأ فيه أخبار الصبيان والخلعيات بتماماها وهي عشرون جزءًا وعرف المترجم العالي من النازل واجتمع بشخينا السيد العيدروس وقربه وأدناه ولازمه وقرأ عليه أشياء من كتب الصوفية ومال إليـه وصـار ينطـق بالشعـر وأقبـل علـى الـأدب والتصـوف ولا زال كذلـك حتى صـار يتكلـم بكلـام عـال‏.‏

وألـف كتابـًا فـي علـم الأوفـاق فـي كراريـس لطيفـة علـى نسـق عجيـب مفيـد وامتـزج بالروحانيـة حتـى أنـي رأيته ينزل الوفق في الكاغد ويضعه على راحة كفه فيرتعش ويلتف ببعضه ثم ينبسط بنفسه كما كان وإذا أخذه غيره ووضعه على مثل وضعه لا يتحرك أبـدًا‏.‏

ومـارس فـي علـم الرمـل أيامـًا فـأدرك منتهـاه واستخـرج منـه مـا لا يستخـرج الممارس فيه سنين مـن الضميـر والمـدة وغيـر ذلـك فـي أسـرع وقـت وألـف فيـه كتابًا لخص فيه قواعده من غير مشقة‏.‏

ومـارس فـي الفلكيـات مـع سليمـان أفنـدي كنيـاذ وصنـف فيـه وفـي غيره‏.‏

وبآخره انجمع عن خلطة الناس وأقبل على ربه وكان قد تزوج بامرأة وكانت تؤذيه وتشتمه وربما كانت تضربه وهو صابر عليها مقبل على شأنه وألف أورادًا وأحزابًا وأسماء على طريقة الأسماء السهر وردية عجيبة المشرب بنفس عال غريب وصار يتكلم بكلام لا يطرق الأسماع نظيره ولم يزل على ذلـك حتـى تعلـل ولحق بربه وتوفي في سادس ربيع الأول من السنة وأعقب ولدًا من تلك المرأة التي كان تزوج بها وبالجملة والإنصاف أنه كان من آيات الله الباهرة‏.‏

ودفن بالقرافة بتربة علي أغا صالح رضي الله عنا وعنه ورحمنا أجمعين‏.‏

ومات الشيخ الفقيه الدراكة العلامة السيد سليمان بن طه بن أبي العباس الحريثي الشافعي المقري الشهير بالأكراشي وهي قرية شرقي مصر وحفظ القرآن على الشيخ مصطفى العزيزي خادم النعال بمشهد السيدة سكينة وأعاده بالعشر على الشيخ عبد الرحمن الأجهوزي المقري وأجازه في محفل عظيم في جامع ألماس وسمع وحضر دروس فضلاء وقته ومهر فـي فقـه المذهب ودرس في جامع الماس وغيره وسمع مـن شيخنـا السيـد مرتضـى المسلسـل بالأوليـة بشرطه والمسلسل بالعيد وبالمحبة وبالقسم وبقراءة الفاتحة في نفس واحد وبالالباس والتحكيم وسمـع الصيحيـن بطرفيهمـا فـي جماعـة بجامـع شيخـون بالصليبـة وسمـع أجـزاء البلدانيـات للحافظ أبي طاهر السلفي وجزء النيل وجزء يوم عرفة ويوم عاشوراء وغير ذلك‏.‏

وله تآليف وجميعات ورسائـل فـي علـوم شتـى‏.‏

ولمـا اجتمع بشيخنا المذكور ورأى ملازمة السيد علي المترجم آنفًا به في أكثر أوقاته ونظر نجابته وما فيه من قوة الفهم والاستعـداد لامـه علـى ملازمتـه للسيـد وانقطاعه عن بقية العلوم وقال له‏:‏ هذا شيء سهل يمكن تحصيله في زمن قليل وقد قرأت وحصلت ما فيه الكفاية والأولى أن تشغل بعض الزمن بتحصيل المعقولات وغيرها فإن مثلك لا يقتصـر علـى فـن مـن الفنـون والاقتصـار ضيـاع‏.‏

فقبـل منـه واشتغل عليه وعلى غيره وانقطع بسبب الاشتغال عن كثرة الترداد على الشيخ كعادته وعلم ذلك فانحراف على كل منهما وبالخصوص على السيد علي وصعب عليه جدًا وأدى ذلك إلى الانقطاع الكلي‏.‏

ولما مات الشيخ العزيزي تنزل المترجم في مشيخة القراء بمقام السيدة نفيسة رضي الله عنها وكان إنسانًا حسنًا جامعًا للفضائل وحضر معنا الهداية في فقه الحنفية على شيخنا المرحوم العلامـة الشيـخ مصطفـى الطائـي الحنفـي وكـان يناقـش فـي بعـض المسائـل المخالفـة لمذهبه إلى أن وافاه الحمام في هذه السنة رحمه الله‏.‏

ومـات أوحـد الفضـلاء وأعظـم النبـلاء العلامـة المحقـق والفهامـة المدقـق الفقيـه النبيـه الأصولـي المعقولـي المنطقي الشيخ أبو الحسن بن عمر القلعي ابن علي المغرب المالكي قدم إلى مصر في سنة 1154 وكان لديه استعداد وقابلية وحضر أشياخ الوقت مثل البليدي والملوى والجوهري والحفنـي والضيـخ الصعيـدي واتحد بالشيخ الوالد وزوجه زوجة مملوكه مصطفى بعد وفاته وهي خديجـة معتوقـة المرحـوم الخواجا المعروف بمدينة وأقامت معه نحو الأربعين سنة حتى كبر سنها وهرمت وتسرى عليها مرتين ولما حضر المرحوم محمد باشا راغب واليًا على مصر اجتمع به ومارسـه وأحبـه وشـرح رسالتـه التـي ألفهـا فـي علـم العـروض والقوافـي ولمـا عزل راغب وذهب إلى دار السلطنة وتولى الصدارة سافر إليه المترجم فأجله وأكرمه ورتب له جامكيـة بالضربخانـة بمصر ورجع إلـى مصـر وتولـى مشيخـة رواق المغاربـة ثلـاث مـرات بشهامـة وصرامـة زائـدة‏.‏

وسبب عزله في المرة الوسطى أن بعض المغاربة تشاجر مع الشيخ علي الشنويهي وانتصر هو للمغاربة لحمية الجنسية ونهر الشيخ علي فذهب الشيخ علي واشتكاه إلى علي بك في أيام إمارته أحضره علي بك فتطاول على الشيخ علي بحضرة الأمير وادعى الشيخ علي أنه لطمه على وجهه في الجامع فكذبه المترجم فحلف الشيخ علي بالله على ذلك فقال له المترجم‏:‏ احلف بالطلاق فاغتاظ منه الأمير علي بك وصرفهما وأرسل في الحال وأحضر الشيخ عبد الرحمن البناني وولاه مشيخة الرواق وعزل الشيخ أبا الحسن وانكسف باله لذلك ثم أعيد بعد مـدة إلى المشيخة وكان وافر الحرمة نافذ الكلمة معدودًا من المشايخ الكبار مهاب الشكل منور الشيبة مترفهًا في ملبسه ومأكله يعلوه حشمة وجلالة ووقار إذا مر راكبًا أو ماشيًا قام الناس إليه وبادروا إلى تقبيل يده حتى صار ذلك لهم عادة وطبيعة لازمة يرون وجوبها عليهم‏.‏

وللمترجم تأليفات وتقييدات وحواش نافعة منها حاشية علي الأخضري على سلمه وحاشية علـى رسالـة العلامـة محمـد أفنـدي الكرمانـي فـي علـم الكلـام فـي غايـة الدقـة تدل على رسوخه في علم المنطق والجدل والمعاني والبيان والمعقولات وشرح على ديباجة شرح العقيدة المسماة بأم البراهين للإمام السنوسي وله كتـاب ذيـل الفوائـد وفرائـد الزوائـد علـى كتـاب الفوائـد والصلـاة والعوائد وخواص الآيات والمجربات التي تلقاها من أفواه الأشياه وكتاب في خواص سورة يس وغير ذلك‏.‏

وأخذ عن المرحوم الوالد كثيرًا من الحكميات والمواقف والهداية للأبهري والهيئة والهندسـة‏.‏

ولـم يـزل مواظبـًا علـى تردده عليه وزيارته في الجمعة مرتين أو ثلاثة ويراعي له حق المشيخـة والصحبـة فـي حياتـه وبعدهـا وكـان سليم الباطن مع ما فيه من الحدة إلى أن توفي في ربيع الأول من هذه السنة رحمه الله‏.‏

ومات الشيخ المعتقد عبد الله بن إبراهيم بن أخي الشيخ الكبير المعروف بالموافي الشافعي السندوبي الرفاعي نزيل المنصورة ولد ببلده منية سندوب سنة 1140 وحفظ القرآن وبعض المتون وقدم المنصورة فمكث تحت حيازة عمه في عفة وصلاح وحضر دروس الشيخ أحمد الجالـي وأخيـه محمـد الجالـي وانتفـع بهمـا فـي فقـه المذهب فلما توفي عمه في سنة إحدى وستين أجلس مكانه في زاويتـه التـي أنشأهـا عمـه فـي مؤخـر الجامـع الكبيـر بالمنصـورة وسلـك علـى نهجـه فـي أحياء الليالي بالذكر وتلاوة القرآن وكان يختم في كل يوم وليلة مرة وربى التلاميذ وصارت له شهرة زائدة مع الانجماع عن الناس لا يقوم لأحد ولا يدخل دار أحد وفيه الاستئناس وعند فوائـد يذاكر بها ويشتغل دائمًا بالمطالعة والمذاكرة واعتقده الخاص والعام‏.‏

ولما سافرنا إلى دمياك سنـة تسـع وثمانيـن وجزنا بالمنصورة وطلعناها ذهبنا إلى جامعها الكبير ودخلنا إليه في حجرته فوجدته جالسًا على فراش عال بمفرده بجانب ضريح عمه وهو رجل نير بشوش فرحب بنا وفـرح بقدومنـا وأحضـر لنـا طبقـًا فيـه قراقيـش وكعـك وشريـك وخبـز يابـس ولبـن وبوسطـه دقـة وجبـن فأكلنا ما تيسر وسقانا قهوة في فنجان كبير وتحدث معنا ساعة ودعـا لنـا بخيـر وودعنـاه وسافرنا في الوقـت‏.‏

ولـم أره غيـر هـذه المـرة‏.‏

وهـو إنسـان حسـن جامـع للفضائـل توفـي فـي السنـة ولـم يخلف بعده مثله‏.‏

ومات السيد الإمام العلامة الفقيه النبيه السيد مصطفى بن أحمد ابن محمد البنوفري الحنفي أخذ الفقه عن والده وعن السيد محمد أبي السعود والشيخ محمد الدلجـي والشيـخ الزيـادي وغيرهـم وحضـر المعقول على علماء العصر كالشيخ عيسى البراوي وغيره ودرس في محل والده بالقرب من رواق الشوام إلا أنه لم يكن له حظ في الطلبة فكان يأتي كل يوم الجامع ويجلس وحـده ساعـة ثم يقوم ويذهب إلى بيته بسويقة العزى وكان لا يعرف التصنع وفيه جذب ويعود المرضي كثير الأغنياء والفقراء توفي في السنة رحمه الله‏.‏

ومـات العلامـة المتقـن والفهامـة المتفنـن أحـد الأعلـام الرواسخ وشيخ المشايخ الفقيه النحوي الأصولي المعقولي المنطقي ذو المعاني والبيان وحلال المشكلات بإتقان الصالح لقانع الورع الزاهد الشيـخ محمـد بـن محمـد بـن محمـد بـن مصطفى بن خاطر الفرماوي الأزهري الشافعي البهوتي نسبة إلى قبيلة البهتة جهة الشرق ولد بمصر رباه والده وحفظ القرآن والمتون وحضر على أشياخ العصـر الملـوي والجوهري والطحلاوي والبراوي والبليدي والصعيدي والشيخ علي قايتباي والمدابغي والأجهوري وأنجب فق الفقه والمعقول ودرس وأفاد الطلبة واشتهر بالفتوح على كل من أخذ عنه حتى صار له المشيخة على غالب أهل العلم من الطبقة الثانية‏.‏

وكان مذهب النفس جدًا لين الجانب متواضعًا منكسر النفس لا يرى لنفسه مقامًا يجلس حيث ينتهي به المجلس ولا يتداخل فيما لا يعنيه مقبلًا على شأنه ملازمًا على الاشتغال والإفادة والمطالعة‏.‏

وممـا اتفـق لـه أنـه قـرأ البخـاري والمنهـج صبية النهار والقطب على الشمسية في الضحوة والاشوني وقـت الظهـر وابـن عقيـل بعـد العصـر والشنشوري بعد المغرب كل ذلك في آن واحد ويحضره في ذلـك جـل الأفاضـل وهـذا لـم يتفـق لغيـره مـن أقرانـه ولـم يـزل علـى حالتـه حتى توفي في آخر يوم من رجب من السنة وخلف ولده العمدة الفاضل الصالح الشيخ مصطفى على قدم والده وأسلافه من الإفادة وملازمة الإقراء أعانه الله على وقته ونفع به‏.‏

ومات الشيخ الإمام العلامة والنحرير الفهامة محمد بن عبد ربه ابن علي العزيزي الشهير بابن السـت ولدسنـة 1118 بمصر وسبب تسميته بابن الست أن والدته كانت سرية رومية اشتراها أبوه وأولدها إياه وكان قد تزوج بحرائر كثيرة فلم يلدن إلا الإناث حتى قيل أنه ولد له نحو ثمانين بنتًا فاشترى أم ولده هذا فولدته ذكرًا ولم تلد غيره ففرح به كثيرًا ورباه في عز ورفاهية وقرأ القرآن مع الشيخ علي العدوي في مكتب واحد فلذلك اعتشر بالمالكية وصار مالكي المذهب‏.‏

ولما ترعرع أراد الانتقال إلى مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه فرأى الشافعي في المنام وأشار عليه بعدم الانتقال فاستمر مالكي المذهب وتفقه على الشيخ سالم النفراوي واللقاني والشبراملسي وسمع على الشيخ عبد ابن علي النمرسي المسلسـل بالأوليـة وأوائل الكتب الستة وسنن النسائي الصغرى المسماة بالمجتبي والمسلسل بالمصافحة والمشابكة والسبحـة وغيـر ذلـك وأخـذ عليه أيضًا ملا عصام على السمرقندية وشرح رسالة الوضع وشرح الجزرية لشيخ الإسلام وأوائل تفسير القاضي البيضاوي مع البحث والتدقيق وأجازه بما يجوز له وعنه روايته بشرطه وأخذ المعقول عن الشيخ أحمد الملوي والشيخ عبده الديوى والشيخ الاطفيحي والخليفي وأخذ طريق الشاذليـة عـن الشيـخ أحمـد لجوهـري والشيـخ الملـوي وهمـا أخذاها عن سيدي عبد الله بن محمد المغرب القصري الكنكسي‏.‏

وكان المترجم على قدم السلـف لا يتداخل في أمور الدنيا ولا يتفاخر في ملبس ولا يركب دابة ولا يدخل بيت أمير ولا يشتغل بغير العلم ومدارسته ويشهد له معاصروه بالفضل وإتقان العلوم والديانة‏.‏

وسمعت منه المسلسل بالأولية وأجازني بمسموعاته ومروياته وتلقيت عنه دائرة الشاذلي وأجازني بوضعهـا ورسمها ونقطة مركزها كل ذلك في مجلس واحد بمنزلي ببولاق بشاطئ النيل سنة 1190‏.‏

وكان يجيئني ويودني ويقول لي‏:‏ أنت ابن خالتي لكون والدتي ووالدته من السراري‏.‏

وصنف حاشيـة علـي الزرقانـي علـى العزيـة وهـي مستعملـة بأيدي الطلبة وديباجة وخاتمة على أبي الحسن على الرسالة وخاتمة على شرح الخرشي وديباجة على أيساغوجي في المنطق وحاشية علي الحفيد على العصام وتكملة على العشماوية وشرحًا على آية الكرسي وشرحًا على الحوضية فـي التوحيـد ولـم يـزل مقبـلًا على شأنه وحاله حتى توفي في هذه السنة عن أربع وثمانين سنة رحمه الله تعالى‏.‏

ومـات السيـد الأجـل المبجـل السيـد أحمـد بـن عبـد الفتـاح بن طه بن عبد الرزاق الحسيني الحموي القـادري ولد أبوه السيد عبد المفتاح بحماه وارتحل بكريميه رقية وفاطمة ابنة السيد طه فزوج الأولى بأحد أعيان مصر بن حسين الشمسي وهي أم أولاده حسن وحسين وعثمان ومحمود ورضوان وتزوجت السيدة فاطمة بعلي أفندي البكري أخي سيدي بكري الصديقي فأولدها محمد أفندي نقيب السادة الأشراف وهو والد محمد أفندي الأخير وأقام والده السيد عبد الفتـاح بمصـر مـدة وتنـزل فـي بعـض المناصـب ثـم توجـه إلـى ملك الروم فأكرمه ووجه له بعناية بعض الأعيان نقابة الأشراف بمصر وحضر إلى مصر وقرئ المرسوم الوارد بذلك وكاد أن يتم لـه الأمـر فلـم يمكـن مـن ذلـك بتوقيـة بعـض الأمراء وحنقوا عليه حيث توجه من مصر إلى الروم خفية ولم يأخذ منهم عرضًا وجعل له شيء معلوم من بيت النقابة وبقي ممنوعًا عنها‏.‏

وكان سيدًا محتشمًا فصيح اللسان بهي الشكل وتزوج ببنت سيدي مكي الوارثي وولد له منها السيد أحمـد المترجـم وتربى ببنت سيدي مكي الوارثي وولد له منها السيد أحمد المترجم وتربى في العـز والرفاهيـة ببيتهم المعروف بهم بالأزبكية بخط الساكت وكان إنسانًا حسنًا مترفهًا في مأكله وملبسه منجمعًا عن الناس إلا لمقتضيات لا بد له منها‏.‏

توفي رحمه الله في هذه السنة ولم يعقب‏.‏

ومات الشيخ الصالح الماهر الموفق علي بن خليل شيخ القبان بمصر وكـان ماهـرًا فـي علـم الحسـاب ومعرفة الموازين والقرسطون المعروف بالقبان ودقائقه وصناعته ولما عني المرحوم الوالد أمـر الموازيـن وتصحيحها وتحريرها في سنة اثنتين وسبعين وصنف في ذلك العقد الثمين فيما يتعلق بالموازين طالعه عليه وتلقاه عنه مع مشاركة الشيخ حسن بن ربيع البولاقي وأتقنا ذلك وتميـزا بـه دون أهـل فنهمـا‏.‏

وكـان المترجـم إنسانـًا بشوشـًا منـور الشيبـة ولديه آداب ونوادر ومناسبات وحج مرارًا أو أثرى وتمول ثم تقهقر حاله ولزم بيته إلى أن توفي في هذا العام ولم يخلف بعده مثله‏.‏

ومـات الشريـف الحسيب النسيب السيد مصطفى بن السيد عبد الرحمن العيدروس وهو مقتبل الشيبية وصلي عليه بالأزهر ودفن عند والده بمقام العتريس تجاه مشهد السيد زينب وكانت وفاته رابع عشرين ربيع الأول من السنة رحمه الله‏.‏

سنة مائتين وألف كان أول المحرم يوم الجمعة وفي ذلك اليوم وصل الباشا الجيد إلى برانبابة واسمه محمد باشا يكـن فبـات ليلـة الجمعـة هنـاك وفـي الصباح ذهب إليه الأمراء وسلموا عليه على العادة وعدوا به إلـى قصـر العينـي فجلـس هنـاك إلـى يـوم الاثنيـن رابعـه وركـب بالموكـب وشق من الصليبة وطلع إلى وفـي يـوم الخميـس ثانـي عشـر صفـر حضـر مبشـر الحـاج بمكاتيـب العقبـة وأخبـر أن الحجـاج لم يزوروا المدينة أيضًا في هذه السنة مثل العام الماضي بسبب طمع أمير الحاج في عدم دفع العوائد للعربـان وصـرة المدينـة وأن أحمـد باشـا أميـر الحـاج الشامـي أكـد عليه في الذهاب وأنعم عليه بجملة مـن المـال والعليـق والذخيـرة فاعتـل بـأن الأمـراء بمصـر لـم يوفوا له العوائد ولا الصرة في العام الماضي وهذا العام واستمر على امتناعه‏.‏

وحضر الشريف سرور شريف مكة وكلمه بحضرة أحمد باشا وقال‏:‏ إذا كان كذلك فنكتب عرض محضر ونخبر السلطان بتقصير الأمراء وتضع عليه خطـك وختمـك وللسلطـان النظـر بعـد ذلك‏.‏

فأجاب إلى ذلك ووضع خطه وختمه وحضر إليهم الجاويـش فـي صبحهـا فخلعـوا عليـه كالعـادة ورجع بالملاقاة وخرج الأمراء في ثاني يوم إلى خارج بأجمعهم ونصبوا خيامهم‏.‏

وفـي يـوم الاثنيـن وصـل الحجـاج ودخلـوا إلـى مصـر ونـزل أميـر الحـج بالجنبلاطيـة ببـاب النصـر ولـم ينزل بالحصـورة أولًا علـى العـادة وركب في يوم الثلاثاء ودخل بالمحمل بموكب دون المعتاد وسلم المحمل إلى الباشا‏.‏

وفي يوم الأربعاء اجتمع الأمراء ببيت إبراهيم بك وأحضروا مصطفى بك أمير الحج وتشاجر معه إبراهيم بك ومراد بك بسبب هذه الفعلة وكتابة العرضحال وادعوا عليه أنه تسلم جميع الحمائـل وطلبـوا منـه حسـاب ذلـك واستمـروا علـى ذلـك إلـى قـرب المسـاء‏.‏

ثـم أن مـراد بـك أخـذ أميـر الحـاج إلـى بيتـه فبـات عنـده وفـي صبحهـا حضـر إبراهيـم بـك عنـد مراد بك وأخذ أمير الحاج إلى بيتـه ووضعـه فـي مكـان محجـوزًا عليـه وأمـر الكتـاب بحسابـه فحاسبـوه فاستقـر في طرفه مائة ألف ريال وثلاثة آلاف وذلك خلاف ما على طرفه من الميرى‏.‏

وفـي يـوم الجمعـة طلـع إبراهيم بك إلى القلعة وأخبر الباشا بما حصل وأنه حبسه حتى يوفي ما استقر بذمته فاستمر أيامًا وصالح وذهب إلى بيته مكرمًا‏.‏

وفي ذلك اليوم بعد صلاة الجمعة ضج مجاور والأزهر بسبب أخبازهم وقفلوا أبواب الجامع فحضـر إليهـم سليـم أغـا والتـزم لهـم بإجـراء رواتبهـم بكـرة تاريخـه فسكنـوا وفتحـوا الجامـع وانتظـروا ثاني يوم فلم يأتهم شيء فأغلقوه ثانيًا وصعدوا على المنارات يصيحون فحضر سليم أغا بعد العصر ونجز لهم بعض المطلوبات وأجرى لهم الجراية أنامًا ثم انقطع ذلك‏.‏

وتكرر الغلق والفتح مرارًا‏.‏

وفي ليلة خروج الأمـراء إلـى ملاقـاة الحجـاج ركـب مصطفـى بـك الإسكنـدري وأحمـد بـك الكلارجي وذهبا إلى جهة الصعيد والتفا على عثمان بك الشرقاوي ولاجين بك وتقاسموا الجهات والبلاد وأفحشوا في ظلم العباد‏.‏

وفـي منتصف ربيع الأول شرع مراد بك في السفر إلى جهة بحري بقصد القبض على رسلان والنجار قطاع الطريق فسافر وسمع بحضوره المذكوران فهربا فأحضر بن حبيب وابن حمـد وابن فودة وألزمهم بإحضارهما فاعتـذروا إليـه فحبسهـم ثـم أطلقهـم علـى مـال وذلـك بيـت القصيد وأخذ منهم رهائن ثم سار إلى طملوها وطالب أهلها برسلان ثم نهب وسلب أموال أهلهـا وسبى نساءهم وأولادهم ثم أمر بهدمها وحرقها عن آخرها ولم يزل ناصبًا وطاقه عليها حتى أتى على آخرها هدمًا وحرقًا وجرفها بالجراريف حتى محوا أثرها وسووها بالأرض وفـرق كشافـه فـي مـدة إقامتـه عليهـا فـي البلـاد والجهـات لجبـي الأمـوال وقـرر علـى القرى ما سولته له نفسه ومنع من الشفاعة وبث المعينين لطلب الكلف الخارجة عن المعقول فإذا استوفوها طلبوا حق طرقهم فإذا استوفوها طلبوا المقرر وكل ذلك طلبًا حثيثًا وإلا أحرقوا البلدة ونهبوها عن آخرهـا ولـم يـزل فـي سيـره علـى هـذا النسق حتى وصل إلى رشيد فقرر على أهلها جملة كبيرة من المال وعلى التجار وبياعي الأرز فهرب غالب أهلها وعين على إسكندرية صالح أغا كتخدا الجاويشية سابقًا وقرر له حق طريقه خمسة آلاف ريال وطلب من أهل البلد مائة ألف ريال وأمر بهدم الكنائس فلما وصل إلى إسكندرية هربت تجارها إلى المراكب وكذلك غالب النصارى فلم يجد إلا قنصل الموسقو فقال‏:‏ أنا أدفع لكم المطلوب بشـرط أن يكـون بموجـب فرمان من الباشا أحاسب به سلطانكم فانكف عن ذلك وصالحوه على كراء طريقه ورجع وارتحل مراد بك من رشيد‏.‏

ولما وصل إلى جميجون هدمها عن آخرها وهدم أيضًا كفرد سوق واستمر هو ومن معه يعبثون بالأقاليم والبلاد حتى أخربوها وأتلفوا الزروعات إلى غرة جمـادى الأولـى‏.‏

فوصلـت الأخبـار بقدومـه إلـى زنكلـون ثـم ثنـى عنانـه وعـرج علـى جهـة الشرق يفعل بهـا فعلـه بالمنوفية والغربية وأما صناجقه الذين تركهم بمصر فإنهم تسلطوا على مصادرات الناس فـي أموالهـم وخصوصـًا حسين بك المعروف بشفت بمعنى يهودي فإنه تسلط على هجم البيوت ونهبها بأدنى شبهة‏.‏

وفـي عصريـة يـوم الخميـس المذكـور ركـب حسيـن بك المذكور بجنوده وذهب إلى الحسينية وهجم على دار شخص يسمى أحمد سالم الجزار متولي رياسة دراويش الشيخ البيومي ونهبه حتى مصاغ النساء والفراش ورجع والناس تنظر إليه‏.‏

وفي عصريتها أرسل جماعة من سراجينه بطلب الخواجا محمود ابـن حسـن محـرم فلاطفهـم وأرضاهم بدراهم وركب إلى إبراهيم بك فأرسل له كتخداه وكتخدا الجاويشية فتلطفوا به وأخذوا خاطره وصرفوه عنه وعبى له الخواجا هدية بعد ذلك وقدمها إليه‏.‏

وفـي صبحهـا يـوم الجمعـة ثـارت جماعـة مـن أهالـي الحسينيـة بسبـب مـا حصـل في أمسه من حسين بك وحضروا إلى الجامع الأزهر ومعهم طبول والتف عليهم جماعة كثيرة من أوبـاش العامـة والجعيدية وبأيديهم نبابيت ومساوق وذهبوا إلى الشيـخ الدرديـر فوافقهـم وساعدهـم بالكلـام وقال لهم‏:‏ أنا معكم‏.‏

فخرجوا من نواحي الجامع وقفلوا أبوابه وطلع منهم طائفة على أعلى المنارات يصيحون ويضربون بالطبول وانتشروا بالأسواق في حالة منكـرة وأغلقـوا الحوانيـت‏.‏

وقـال لهـم الشيـخ الدرديـر‏:‏ فـي غـد نجمع أهالي الأطراف والحارات وبولاق ومصر القديمة وأركب معكـم وننهـب بيوتهـم كمـا ينهبـون بيوتنـا ونمـوت شهـداء أو ينصرنـا اللـه عليهـم‏.‏

فلما كان بعد المغرب حضـر سليـم أغـا مستحفظـان ومحمـد كتخـدا أنـؤد الجلفـي كتخدا إبراهيم بك وجلسوا في الغورية ثم ذهبوا إلى الشيخ الدردير وتكلموا معه وخافوا من تضاعف الحال وقالوا للشيخ‏:‏ اكتب لنا قائمـة بالمنهوبات ونأتي بها من محل ما تكون‏.‏

واتفقوا على ذلك وقرأوا الفاتحة وانصرفوا وركب الشيـخ فـي صبحهـا إلـى إبراهيـم بـك وأرسـل إلـى حسيـن بـك فأحضـره بالمجلـس وكلمـه فـي ذلـك فقـال في الجواب‏:‏ كلنا نهابون أنت تنهب مراد بك ينهب وأنا أنهب كذلك‏.‏

وانفض المجلس وبردت القضية‏.‏

وفـي عقبهـا بأيـام قليلـة حضـر مـن انحية قبلي سفينة وبها تمر وسمن وخلافه فأرسل سليمان بك الأغـا وأخـذ مـا فيهـا جميعـه وادعـى أن لـه عنـد أولـاد وافـي مـالًا منكسـرًا ولـم يكـن ذلك لأولاد وافي وإنمـا هو لجماعة يتسببون فيه من مجاوري الصعايدة وغيرهم فتعصب مجاورو الصعايدة وأبطلوا دروس المدرسين وركب الشيخ الدردير والشيخ العروسي والشيخ محمد المصيلحي وآخرون وذهبوا إلى بيت إبراهيم بك وتكلموا معه بحضرة سليمان بك كلامًا كثيرًا مفحمًا‏.‏

فاحتج سليمـان بـك بـأن ذلـك متاع أولاد وافي وأنا أخذته بقيمته من أصل مالي عندهم فقالوا هذا لم يكـن لهـم وإنمـا هـؤلاء ربابـه نـاس فقـراء فـإن كـان لـك عنـد أولـاد وافـي شـيء فخـذه منهم فرد بعضه وذهب بعضه‏.‏وفي